البحث العلمي النافع</SPAN>
أ.د. إدريس الخرشاف</SPAN> </SPAN>
لا مشاحّة في أن الأبحاث العلمية المعاصرة، تعد من أبجديات العلاقة التي تربط الإنسان بالكون الفسيح الذي ينتمي إليه، ويعد العلم ثورة عقلانية مستمرة تمس كل عناصر الوجود، انطلاقًا من العالم اللامتناهي في الصغر، مصداقًا لقول رب العالمين في محكم تنزيله (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِكَ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الأَرْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ وَلآ أَصْغَرَ مِن ذَلِك) (يونس 61). إلى العالم اللامتناهي في الكبر (ما هو أكبر من المجرات ومجموعة المجرات (</SPAN> Galaxies</SPAN> )، مصداقا لقول رب العالمين: (أَفَلَمْ يَنظُرُوآ إلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ) (ق 6) ولكي يكون للعلم دور طلائعي في حياة الإنسان ـ لابد أن تترجم أعماله إلى حقائق ملموسة، تتغلغل في بنيان المجتمع، وتهذب فعاليته وتصبح نفعًا مؤثرًا في مناهج الحياة، لأن ميراث الأمم من المعارف العلمية يشكل الرافد الأساسي للتخطيطات المستقبلية.</SPAN>
وعندما نزلت الآية الكريمة الأولى (اقْرَأْ) على معلم البشرية سيدنا محمد ـ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ـ أعطت للإنسان نفسًا جديدًا، ومعنى راقيًا لمفهوم الإنسان، فكان السمع والبصر والعقل لقول رب العالمين: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء 36).</SPAN>
من هنا وجب القول: إن العلوم وإن كانت نابعة من مصدر واحد فإن لها موجهتين اثنتين:</SPAN>
أولاهما: المتجهة المادية الصرفية، والتي تعتمد على المشاهدة ثم الاختبار، وبعدها دراسة النتائج وإعداد الاختبار بشتى المناهج الممكنة، وذلك من أجل بناء نظريات وآراء جديدة، وهذه علماؤها، أمثال بطليموس وكوبرنيك ودارون وغيرهم.</SPAN>
ثانيتهما: منهجية تعتمد على إخضاع المتجهة الأولى لقانون كوني يأخذ ويستمد قوته كلها من تعاليم خالق هذا الكون، فيخشى العالم ربه، كما يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاؤُاْ) (فاطر ـ 28)، وينتج عن ذلك الراحة النفسية، فيستقيم في أعماله ويؤمن في قرارة نفسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، الأمر الذي يدفعه إلى القيام ببحث دقيق لكل لوحات الطريق المؤدية إلى الحقيقة، والوقوف عند كل ظاهرة أو علاقة ترشده إلى معالم الطريق.</SPAN>
فالباحث المؤمن مطالب اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بوضع استراتيجية عقلانية إيمانية لجملة المصطلحات المعرفية، تكون شفافة الطرح، واضحة المعالم، وذات تطبيقات إنسانية داخل النسق المعرفي وسيرورة الأحداث.</SPAN>
فإذا كان مفتاح المعرفة هو التدبر والتأمل فيما خلق الله، والتفكير في النتائج من أجل معرفة الله سبحانه وعبادته، فإننا بحاجة في وقتنا إلى شباب واعٍ بقضية أمّته الإسلامية لتقديم الحل الجذري للمشكلات التي يتخبط فيها إنسان القرن الحادي والعشرين (استئجار الأرحام، الموت الرحيم، القنابل البيولوجية وأسلحة الدمار الشامل، التلوث البيئي والأخلاقي والاجتماعي..).</SPAN>
إننا نملك في دولنا الإسلامية ـ والحمد لله ـ مقومات الإنتاج المعرفي والتقني، كما نملك موارد مادية هائلة، وقوى بشرية شابة ومتفتحة، ومؤسسات علمية متعددة الاختصاصات، لكننا نفتقد في غالب الأحيان ـ مع الأسف ـ معرفة الكيفية التي يمكننا بها استثمار أنعم الله بالشكل العلمي الرصين.</SPAN>
لذلك لابد لنا من توليد رابطة تتحكم في دواليب الاتصالات بين عناصر المخلوقات الكونية: الإنسان بالإنسان، والإنسان بالمخلوقات الكونية، نكون بذلك قد ساهمنا في توليد محرك التقنية المادية والتقنية الأخلاقية الإيمانية، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق إنسان عصره، يحس بفضائه، وعلى دراسة ـ ولو نسبية ـ بحركة عناصر هذا الكون، يستطيع تحمل الأمانة التي أوكلها له رب العزة، ويكون في مستوى المناجاة مع خالق هذا الكون.</SPAN>